[center]الحمد لله الذي سنّ لأمته منهجاً مبيناً,
وسطاً مستبيناً, فلم يذر من أمور الدين والدنيا مما فيه صلاحها أمراً إلا
بينه وأوضحه, ليهلك من هلك عن بيّنة, ويحيا من حيّ عن بيّنة.
قال
تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ دِيناً}.
ولا شكّ أن الدين
شامل للعبادات والمعاملات على حدّ سواء, يشهد لذلك قوله تعالى: {مَا
فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}.
وقوله صلى الله عليه وسلم:
"ما تركت شيئا يقربكم إلى الله تعالى غلا وقد أمرتكم به ، وما تركت شيئا
يبعدكم عن الله تعالى إلا وقد نهيتكم عنه".
فإذا عُلم هذا فإنّ
الحديث عن الأفراح وعن ضوابطها, وعن الألبسة فيها وشروطها, ينبع من معين
الشريعة الصافي الزلال.
والكلام عن منكرات النساء في حفلات الأفراح
يكون في ثلاث مقامات:
المقام الأوّل: أسباب المنكرات المقام
الثاني: عورة المرأة أمام النساء
المقام الثالث: أنواع المنكرات.
وفيما
يلي التفصيل:
المقام الأولّ: أسباب المنكرات.
1- اعتقاد
الناس أن الأفراح من العادات المحضة التي مرد حكمها إلى الناس:
والحقيقة
أنّ الأفراح والأعياد وغيرها من المناسبات تجمع بين شقين: الأول: دنيوي,
والثاني: ديني.
ولذلك أمرنا بمخالفة اليهود والنصارى في أعيادهم
وأفراحهم.
2- ضعف عقيدة الولاء والبراء:
إنّ ضعف هذا العقد
المتين أدى الناس إلى الانسياق واللهث وراء الموضات والأزياء, رغم كونها
شعاراً لعبدة الأوثان والصلبان.
3- ملك النساء لزمام الأعراس
والأفراح عادة:
وهذا الأمر ليس بجديد, فقد روى سالم بن عبد الله بن
عمر، قال: "أعرست في عهد أبي فآذن أبي الناس، فكان أبو أيوب فيمن آذن، وقد
ستروا بيتي بخباء أخضر، فأقبل أبو أيوب مسرعا، فاطلع، فرأى البيت مستترا
بخباء أخضر، فقال: يا عبد الله أتسترون الجدر؟ فقال أبي، واستحيا: غلبتنا
النساء يا أبا أيوب. فقال: من خشيت أن يغلبه النساء، فلم أخش أن يغلبنك ثم
قال: لا أطعم لكم طعاما، ولا أدخل لكم بيتا، ثم خرج". رواه الأثرم,
والبيهقي في السنن)
وإنك لتعجب حينما ترى أعراس بعض المستقيمين وقد
ملئت منكراً وزوراً, وأذكر أنّني صليت يوماً في مسجد فلم نكد نميز الصلاة
من صخب الغناء المنبعث من أحد الدور -في حفل عرس- فقمت بعد الصلاة وأنكرت
هذا الأمر, وبينت أثر الفجور في الأعراس على الفرد والأمة- فأتاني أحد
الشباب بعد الموعظة يبكي بكاء شديدا وعلمت أنه – العريس- وأنا أعرف شاباً
مستقيماً, وقال يا شيخ أمي وأخواتي غلبنني على هذا الأمر.
المقام
الثاني: عورة المرأة أمام النساء.
اختلف العلماء في حدّ عورة المرأة
أما النساء المسلمات خاصة, وتباينت في ذلك أقوالهم, والذي أدين الله به -
وهو ما دلّ عليه ظاهر القرآن- أنّ عورتها أما النساء المسلمات كعورتها أما
المحارم – وهو اختيار شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله, كما في مجموع
فتاويه 12/216-.
ودليل ذلك:
قوله سبحانه وتعالى: {وَلا
يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ
بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ
بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ
مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الأِرْبَةِ
مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ
النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ
مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا
الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}
فالآية بينت أن هنالك
زينتان: الأولى ظاهرة, والثانية باطنة, في قوله تعالى: {وَلا يُبْدِينَ
زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَ}, قال ابن مسعود: ظاهر الثياب, وقال
ابن عباس: الكحل والخاتم والخلاف مشهور قديما وحديثاً في لباس المرأة عند
الخروج
ثم ذكر الزينة الأخرى فقال: {وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ
إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} والمقصود بالزينة أي مواضع
الزينة، ومواضع زينة المرأة للمرأة والمحارم خلا الزوج معروفة, وهي:
الشعر,
وأعلى الصدر(وليس الثديان), والذراعان, وأول الساقين, وما عدا هذا فلا حجة
في إخراجه.
وبالتالي لا يحلّ للمرأة أن تنظر من النساء خلا هذه
المواضع.
بدليل الحديث الذي رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري رضي
الله عنه أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:"لا ينظر الرجل إلي عورة الرجل،
ولا تنظر المرأة إلي عورة المرأة " (رواه مسلم).
- وأما قول بعضهم
أن عورة المرأة للمرأة من السرة إلى الركبة فهذا لا دليل عليه ولا أثرة من
العلم
ويشاع بين أوساط الكثير من النسوة أنّ عورة المرأة مع المرأة
من السرّة إلى الركبة, وهو قول باطل, لا يدلّ عليه دليل.
- وبغض
النظر عن الخلاف الفقهي, فإنّه لا يخفى ما انتشر في الآونة الأخيرة من آلات
التسجيل والكمرات وغيرها, مما يجعل المرأة العفية تحتاط لعرضها ودينها,
وكم جرّ التساهل لعواقب وخيمة, ولات حين مندم.
المقام الثالث: مظاهر
المنكرات في ألبسة الأعراس.
وهي على نوعين:
النوع الأول:
منكرات مشتركة بين النساء الحاضرات.
النوع الثاني: منكرات خاصة
بالعروس.
وفيما يلي تفصيلها:
النوع الأول: منكرات مشتركة
بين النساء الحاضرات.
المقصود بهذا النوع هي المنكرات المتعلقة
بألبسة النسوة في صالات الأفراح, فقد تأتي الأخت بحجابها الكامل, ولكن ما
إن تلج هذه الصالات حتى تتفسّخ وتلبس ما يشف وما يصف.
والأصل في ذلك
أنّ المرأة يجوز لها لبس ما شاءت من ألبسة في الأعراس والأفراح, ولكن
بشروط ثلاثة (كما جاء في فتاوى اللجنة الدائمة):
1- أن يكون اللباس
ساتراً.
2- وليس فيه تشبه بالرجال.
3- ولا بالنساء
الكافرات.
وعليه فإن من أبرز مخالفات النساء المشتركة في باب اللباس
في الأعراس, ما يلي:
1-التبرج والسفور:
ويدخل في ذلك لبس
النساء في قاعات الحفلات:
الألبسة الشفافة التي تظهر لون البشرة.
وألبسة
قصيرة تظهر الركبة وما فوقها, وقد تظهر مقدمة صدر المرأة وغير ذلك.
وألبسة
– لاصقة – تحدد حجم جسد المرأة, وتظهير تفاصيل عورتها.
لبسها
للبنطلون الذي يجمع التشبه بالرجال مع تحديد العورة.
وكلّ هذا من
التبرّج المنهي عنه, قال تعالى: {ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى}.
وقال
صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي لم أرهما نساء كاسيات عاريات مائلات
مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن
ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا". (رواه مسلم).
قال السفاريني في
غذاء الألباب: "إذا كان اللباس خفيفاً يبدي لرقته وعدم ستره عورة لابسه من
ذكر وأنثى فذلك ممنوع محرم على لابسه لعدم ستره للعورة المأمور بسترها
شرعاً بغير خلاف".
وقال ابن الحاج في المدخل: "وليحذر العالم من
البدعة التي أحدثها النساء في لباسهن وهن ناقصات عقل ودين فمن ذلك ما يلبس
من هذه الثياب الضيقة والقصيرة وهما منهي عنهما ووردت السنة بضدهما".
2-
نمص الحواجب وتشقيرها:
الإسلام وإن كان قد شرع التجمل للنساء,
فإنه قد راعى فطرة المرأة وأنوثتها فأباح لها من الزينة ما حرم على الرجل
من لبس الحرير والتحلي بالذهب.
ولكن الإسلام حرم بعض أشكال الزينة
التي فيها خروج عن الفطرة. وتغيير لخلق الله والذي هو من وسائل الشيطان في
إغوائه للناس {وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}
ومن
ذلك التغيير ما تقع فيه بعض النساء -خصوصاً في الأفراح والمناسبات- من
نمصهن لوجوههن وترقيق حواجبهن ووضع الأصباغ عليها -وهو التشقير- بدعوى
التجمل في زعمهن.
وهذا العمل مما حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولعن فاعله بقوله: "لعن الله الواشمات والمستوشمات والواصلات والنامصات
والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله" (متفق عليه).
3-
لبس الكعب العالي:
ومن المنكرات ما تفعله بعض النساء من لبس حذاء
مرتفعة ذات سن مدببة طويلة تسمى بالكعب العالي.
هو لا يحوز لأنه
يعرض المرأة للسقوط, والإنسان مأمور شرعاً بتجنب الأخطار بمثل عموم قول
الله عز وجل {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}.
كما أنه يظهر قامة
المرأة وعجيزتها بأكثر مما هي عليه, وفي هذا تدليس, وإبداء لبعض الزينة
التي نهينا عن إبدائها.
ولبس الكعب العالي له مضار صحية ومضار
اجتماعية.
كما أنّ فيه تشبه صارخ بالكافرات الفاجرات على وجه
الخصوص.
4- خروج النساء متطيبات:
من منكرات الأفراح: خروج
النساء من بيوتهن وهن في طريقهن إلى العرس يتعرضن للمرور على الرجال وهن
متطيبات -ويحدث هذا وللأسف حتى عند المستقيمات والملتزمات-.
وهذا
فعل محرّم شنيع, ورد فيه تحذير أكيد شديد, فعن أبي موسى الأشعري رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أيما امرأة استعطرت فمرت على
قوم ليجدوا ريحها فهي زانية" (رواه أحمد والنسائي).
وإن كانت المرأة
ولا بد فاعلة فلتتعطر حين وصولها لصالة الأفراح, مع الحرص على أن يكون
العطر خفيفاً مما يزول أثره بعد زمن يسير.
5- ذهاب المرأة إلى
الكوافير- محلات الحلاقة-:
تتساهل كثير من النسوة في الأفراح
والأعراس في الذهاب إلى الكوافير, ويصحب ذلك في الغالي الكثير من المنكرات,
ومن ذلك:
1- إطلاع النساء على عورة العروس بحجة تهيئتها للزفاف:
ومن
ذلك ما تفعله الحلاقات من كشف للعورات بحجة تهيئة العروس, وحلق الشعر
الزائدة المحيط بالعورة وغيرها.
ولا شك أنّ هذا حرام لا يجوز, لما
سبق بيانه عند ذكر حدّ عورة المرأة.
ويضاف إلى ذلك: أن في هذا الأمر
إشاعة للفاحشة وكشف العورات ونشراً للأسرار والحسد والحقد، والمرأة يعرف
عنها كثرة وصف غيرها، وفى وصف العورات خراب للبيوت ودمار للدور وضياع
للأسر.
2- وصل النساء شعورهن:
والمراد بالوصل: وصل الشعر
بشعر آخر طبيعي أو صناعي كالباروكة, أو غيرها.
وكل هذه الأمور محرمة
ملعون من فعلها أو طلبها على لسان محمد صلى الله عليه وسلم: "لعن الله
الواشمات والمستوشمات والواصلات....".
3- قصات الشعر التي فيه تشبه
صارخ بالكافرات:
وأحاينا ببعض الحيوانات والعجماوات, فكثيرا ما تولع
النساء في الأعراس بعمل قصات وتسريحات مريبة مشينة.
4- رفع الشعر
إلى أعلى بشكل يشبه أسنمة البخت:
تعمد بعض النسوة إلى عمل تسريحات
تبالغ فيها برفع شعرها للأعلى بصفة ملفتة للنظر, حتى تشبه هذه الأسنمة, وقد
جاء الوعيد في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: "صنفان من أمتي لم أرهما
....على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها" (رواه
مسلم).
النوع الثاني: المنكرات الخاصة بالعروس.
تقع بعض
النساء في ليلة زفافهن وعرسهن في محظورات عظيمة مضى ذكر أغلبها, ولكن ثمة
مخالفات تستأثر بها العروس غالباً دون غيرها, ومن ذلك:
1- لبس
الفستان الأبيض (robe blanchela).
ومن دلائل تحريم مثل هذا النوع من
الفساتين خاصة للعروس, أمور منها:
أ- أنّ هذه الثياب من سيما
وعادات الكافرات في الأعراس, بل هو شعار لهن, وقد أمرنا بالبراءة من الكفر
وأهله, وإنّ من حقوق هذا البراء أن لا يتشبه المسلم بهم في صفة أعيادهم
وطريقة ألبستهم فيها، لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَشَبَّهَ
بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ»(أحرجه أحمد وأبو داود وحسنه ابن حجر) وفي صحيح
مسلم أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «هَذِهِ مِنْ ثِيَابِ
الكُفَارِ فَلاَ تَلْبَسْهَا».
ب- فيها تشبه بلباس الرجال: إذ
المعهود في المجتمعات الإسلامية خصوصيته بالذكور دون الإناث، والعروس
المتزينة بالبياض متشبهة بالرجال، وقد " لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله
عليه وآله وسلم الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ "
ج-
فيه إسراف وتبذير فهذا النوع من اللباس, يشترى بمبلغ من المال كثير, وهي
لا تلبس إلا مرة واحدة, وهذا من الإسراف المنهي عنه, لقوله تعالى: {وَلا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}.
2- انكشاف عورة
العروس عادة:
عند تغيير ثيابها في صالة الأفراح, وهذا الأمر وللأسف
انتشر في كثير من الأوساط.
3- المباهاة والخيلاء:
حيث تبالغ
العروس عادة في ارتداء الملابس الباهظة, رياء وسمعة وخيلاء, مما يرهق
العريس وأهلها من جهة, ويوغر صدور النسوة حسداً وغيرة من جهة أخرى.
وفي
الختام:
على المرأة أن تسعى إلى رضا رباه ليلة زفافها, لأنّ ذلك
أحرى لاستدامة وسعادة حياتها الزوجية, بخلاف من يبدأن حياتهن الزوجية
بالمجاهرة بالعصيان, فإنّ الله عزيز ذو انتقام, وما بني على باطل فمآله
للخسران.
هذا ما تيسر تحريره.
والله الموفق والهادي إلى سواء
السبيل.
شيخنا الفاضل أبو يزيد المدني